الشاعر الأيل


السويد 22-9-1988
عزيزي وقرة عيني الشاعر شربل بعيني
مودة أدق وأرق من نسائم الصباح.. صباح بلادنا، حيث النسمة الواحدة تجدد فينا إكسير الحياة ولكن..
امتداداً لجسور من حروف الوجع
تمر قوافل غربتي
ويمر معها هودج حريتي
وحده الجلاد
يعي، كيف تسلخ الكلمات
من مستنقع الزمهرير
وتفقأ بمخرز من حديد
عين الحارس الذي يراقب حركات النجوم..
هذا ما كتبته في القطار الطالع من مدينة سودرتالية إلى استكهولم، حتماً سوف أحصد في طريقي أزهار الخريف، أحصدها بمنجل روحي، وأصنع منها إكليلاً وقلادة لعذراء الشعر، الشعر الذي يجسد عاطفتنا، يلوي كغيمة داكنة تطردها رياح الصباح العاتية. المهم أنك تأخذ قفيرة العسل بيديك، وترحل صوب الغابات، لتكتب، أو تتأمل ، والأجمل أن تحلم حلم الفراشات، إن كان للفراشات حلم.
حزين أنا عليها، فعمرها أقصر بكثير من ومضة برق في هذه البلاد، وصيفنا أضيق من حدقات عيون الديكة. السويد أهدافه أن يغرق في حلم سميك سماكة زرقة ماء المحيطات.
كنت أعتقد أنني لم أكتب إليك، وكنت أحس أنني المذنب الذي يطأطىء هامته أمام كرسي الكرادلة معترفاً نادماً، وفوجئت بكتابك تأليف المر وإهداء سخي منك.
كامل المر.. لم يبق له سوى خطوات قليلة جداً ليدخل إلى حانات مارون عبود.. هو مؤرخ لغوي، ولغوي دقيق، يملك عين النسور في بحوثه، تهنئة من أعماق قلبي للمؤلف القيم الذي أطعمنا من موائده مجاناً، ومجاناً أخذتم ومجاناً اعطوا. أكرر تهاميّ.
كنت في بلجيكا، وتوقفت لمدة 3 أيام في هولندا، عندنا دير سرياني رائع. لم أكتب إطلاقاً، كنت اكتنز، أعبىء أوداجي برائحة أزهار إكسير الشعر.
المؤتمر كان باللغتين الفرنسية والإنكليزية.. كان مملاً نوعاً ما.. وكان عن اللاهوت والأدب السرياني.
توقفت عن تتمة الرسالة، لأن القطار أصيب بهزات أشبه بهزاتنا الخفيفة، هزات العصبية، وويل إذا وصلنا إلى هزات كبيرة، سينطبق علينا جملة من كلام لبنان وشعبه.. بدّي أأوص..
آمل أن نلتقي في يوم ما في إحدى النوادي التي تملكها الجالية لأقرأ شعري، وتقرأ زجلكم الرائع جداً.
بقدر ما يقلص ظل الأدب، بقدر ما تكون هناك حلاوة فيه. والأدباء نادرة هذا الزمان، والقارورة الغالية الثمن.
سنلتقي.. أكتب إليّ.. أنا قصيدة ظمآنة إلى ينابيعك أيها الشاعر الأيل.
دمت مع مودة الذي لا ينساكم.

د. الأب يوسف سعيد
**